تنافــس بوضيـاف وبـن بــولعيــد على إطلاق " البركة "
الفترة ما بين 1952 ونوفمبر ,1954 وعكس ما جاءت به نصوص تاريخية عديدة، كانت بالفعل فترة حرجة خرج منها بوضياف وبن بولعيد متفقان على إشغال فتيل الثورة رغم المعارضة السياسية لقيادة الحزب، وكانت هذه الفترة مرحلة تنافس شريف بين الرجلين من أجل >التحضير المادي< للثورة عبر تفعيل شبكات الإمداد بالسلاح وخلق ورشات لصناعة القنابل، وشاءت الأقدار أن تنفجر ورشة بن بولعيد
في قرية الحجاج في باتنة عاما قبل نوفمبر ,1954 فتحرز مجموعة بوضياف، في متيجة، على لقب صناعة قنابل الثورة الأولى ·
التفاصيل التاريخية لهذا الاتجاه في التحضير لثورة التحرير المباركة تفصلها ثلاث شهادات، الأولى للمجاهد عيسى كشيدة والثانية لعبد الحميد مهري والثالثة سجلناها مع الماجد بوعلام قانون من البليدة، والذي كان إحدى الأذرع العسكرية في مجموعة بوضياف الثورية ·
اعتبارا من سنة 1950 سعت مجموعة من الثوريين المؤمنين بضرورة الإعداد المادي لتفجير الثورة إلى الإسراع في التحضير الفعلي للمشروع وفي ظروف خاصة جدا، وقد حرصت نواة المؤمنين بتفجير الثورة رغم القيادة السياسية وهم محمد بوضياف وديدوش مراد ومصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي، على ضمان سرية مشروع هذه اللجنة المصغرة من خلال -1 : السرية إزاء الإدارة الفرنسية ·
2 ـ السرية تجاه قيادة الحزب· 3ـ تجنب إشراك العديد من مناضلي المنظمة الخاصة إلا لاحقا بعد ضمان الانطلاقة الحسنة للثورة ·
وقد ظهرت هذه اللجنة المصغرة في مطلع سنة ,1952 أي عاما بعد انكشاف أمر المنظمة الخاصة، ونفس المدة من الصراعات السياسية والخلافات بين القيادة السياسية والثوريين وبين مصالي الحاج والقيادة السياسية التي وجدت في مبادرة الثوريين ميلا عمليا نحو الاستقلال، أو على الأقل بعض القياديين في الحزب ممن لم يعودوا يطيقون الهالة الزعاماتية لمصالي الحاج ·
النقاط الأربع
فوجئت المجموعة المصغرة بانشقاق الحزب وبروز الخلاف بشكل حاد في ,1952 ولكنها عملت على التكيف مع الوضع القائم والمثابرة على تجسيد مشروع تفجير الثورة وبدأت اللجنة المصغرة تستقطب الراغبين في الثورة فصارت ستة ثم 22 عشية اندلاع ثورة التحرير
أي في مدة عامين تقريبا··مطلع هذه السنة المذكورة عرف اجتماعات مراطونية دامت أياما لمناقشة الوضع الداخلي للحزب والوضع العام في العالم والمغرب العربي
وانتهت إلى تأسيس اللجنة المصغرة المشكلة من بوضياف وديدوش وبن بولعيد وبن مهيدي، وهي اللجنة التي أعادت تفعيل المنظمة الخاصة تحت تسمية >البركة< تيمنا بتفجير الثورة في وقت قريب، ولأن العربي بن مهيدي كان يتخذ احتياطات
خاصة في تنقلاته نظرا لتوفر عيون فرنسية كثيرة تراقبه، كان بوضياف الوحيد الذي حاول الاتصال به··اللجنة المذكورة عقدت اجتماعات متوالية وقررت الآتي :
1 ـ إعادة تشكيل المنظمة الخاصة دون انتظار أو قيادة الحزب التي تجاوزتها الأحداث، وتم تنظيم وإنشاء مجموعات من الشرق والغرب ووسط البلاد وتم تفعيل منظمة الأوراس التي لم تحل من قبل لعدم اختراق الأجهزة الفرنسية لها، في هذه النقطة بالذات جرت اتصالات بمناضلي القبائل وعلى رأسهم كريم بلقاسم وأوعمران، لكنها باءت بالفشل ·
2 ـ تحضير عناصر اللوجستيك للعمل المسلح، وتم تكليف مصطفى بن بولعيد بالسفر سرا إلى ليبيا لإعادة تشكيل وتفعيل الشبكات القديمة للإمداد بالسلاح وقد كلف أيضا بخلق ورشة لصناعة القنابل في الأوراس
( ربما لأن هذه المنطقة كانت حافظة أسرار وأن منظمتها الخاصة لم تفكك)
قصد تموين المجموعات المكلفة بتنفيذ العمليات العسكرية في مجموع الجزائر عند انطلاق الثورة وقد سافر بن بولعيد إلى ليبيا وكان كل من بوضياف وبن بولعيد راضين على النتيجة المحققة ·
3 ـ تطهير العلاقات بين القيادة ومناضلي المنظمة الخاصة
4 ـ إعادة طرح مشكلة ائتلاف الأحزاب السياسية على أسس سليمة وكفيلة بدعم الكفاح المسلح ساعة اندلاعه، وقد اقترح بوضياف، في هذه النقطة، على عبد الحميد مهري أن يشجع مبادرة الشيوخ محمود بوزوزو، مدير جريدة >المنار< التي يدعو فيها إلى حدة الأحزاب حركة انتصار الحريات الديمقراطية، قدماء حزب الشعب، الحزب الشيوعي، جمعية العلماء ··
لكن طموح العناصر الأكثر ثورية لم يكن في مستوى ما كان منتظرا من محيط مشروع جريء كالذي عرفت عليه لجنة الأربعة···لماذا؟
ثلاثة عوامل أساسية جاءت، مرة أخرى، لـ >عرقلة< المشروع في سنة 1953 وهي الزلزال السياسي الذي ضرب الحزب متبوعا بانفجار الخلاف بين الزعيم مصالي الحاج واللجنة المركزية التي كانت تقول نعم للثورة، ولكن ليس الآن في فيفري 1954
وقبله انفجار ورشة تصنيع القنابل في باتنة في جويلية1953 ·
انفجار ورشة باتنة
في ظروف غامضة انفجرت ورشة صنع القنابل في دوار الحجاج بباتنة في جويلية ,1953 وهي الورشة التي كان يعول عليها بن بولعيد وبوضياف كثيرا في تفجير الثورة وإعطائها وزن الثورة المنظمة من البداية ·
كانت هذه الورشة قد أعدت مخزونات كافية للمرحلة الأولى للثورة وكانت تنتظر الأوامر للشروع في توزيع المخزونات على ربوع الجزائر التي اختيرت لتكون نقاطا في خارطة اندلاع الثورة ·
كان بن بولعيد قد خزن كمية منها في دكان السيد مشلق في نهج فرنسا (شارع الجمهورية حاليا) في باتنة، لكن في ذات أحد، يوم 19 جويلية 1953 انفجر المخزن تاركا مدينة باتنة وضواحيها تحت وقع صدمة وذهول كبيرين، خاصة من جانب الفرنسيين الذين اكتشفوا >ترسانة حقيقية< أكلتها النيران، الخبر نقلته :
>La dépêche de constantine<
وهي حادثة فيها شبه بحادثة تبسة التي كانت وراء كشف المنظمة الخاصة ·
بعد انشقاق الحزب عمل بوضياف وبن بولعيد على تجميع قدماء المنظمة الخاصة والاتجاه نحو تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل، تقف موقفا وسطا بين المركزيين والمصاليين وهدفها الثورة لا غير ·
سفر أم إبعا د
بوضياف وديدوش، دون التقليل من شأن ودور تاريخيين آخرين، كانا الأكثر تحفزا للثورة وسط تصدع الحزب والخلافات السياسية بين مختلف التيارات وقد آثر الانتظار وبالأخص قيادة الحزب التي اقترحت عليهما في صيف 1953 تولي مسؤوليات في فيدرالية الحزب في فرنسا وكان هذا الاقتراح موضوع مشاورات بين بوضياف وأعضاء المجموعة ورحب به الجميع حسب كتابات وشهادات عديدة ·
الأكيد أن قبول بوضياف وديدوش بالانتقال إلى فيدرالية فرنسا لم يكن مدرجا في >منطق< القيادة السياسية، لأنهما وجدا في ذلك فرصة ثمينة لتمويل تحضيرات العمل المسلح انطلاقا من الأراضي الفرنسية علما بأن الصعوبات المالية كانت خانقة في الجزائر لكل مبادرة خارج >شرعية< السياسيين ·
ولأن الرجلين كانا أكثر من متخوفين على مستقبل ما حضرا له رفقة بن بولعيد وبن مهيدي فإنهما اعتمدا رجلين آخرين لخلافتهما في تسيير التحضيرات المادية للثورة وهما زبير وبعجاج، خليفة ديدوش في العاصمة، وبن عبد المالك رمضان خليفة بوضياف ومسؤول منظمة الغرب الجزائري وكان عبد الحميد مهري منسقا بين هذه الأطراف ·
كلمة السر: هب الريح
حوالي عام، في غياب بوضياف وديدوش، اللذين سعيا لإقناع مصالي الحاج بتفجير الثورة، كانت مدة تهيكل فيها المناضلون وقدماء المنظمة الخاصة حول مشروع الإعداد المادي للثورة وكانت كلمة السر بين هؤلاء هي >هب الريح <·